ملتقى أهل السنة والجماعة
ملتقى اهل السنة والجماعة


اهلا وسهلا بك زائرنا الكريم
منتديات ملتقى اهل السنة والجماعة ترحب بك أجمل ترحيب
ونتمنى لك وقتاً سعيداً مليئاً بالحب كما يحبه الله ويرضاه
فأهلاً بك في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله
ونرجوا أن تفيد وتستفيد منا
وشكراً لتعطيرك المنتدى بباقتك الرائعة من مشاركات مستقبلية
لك منا أجمل المنى وأزكى التحيات والمحبة
ملتقى أهل السنة والجماعة
ملتقى اهل السنة والجماعة


اهلا وسهلا بك زائرنا الكريم
منتديات ملتقى اهل السنة والجماعة ترحب بك أجمل ترحيب
ونتمنى لك وقتاً سعيداً مليئاً بالحب كما يحبه الله ويرضاه
فأهلاً بك في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله
ونرجوا أن تفيد وتستفيد منا
وشكراً لتعطيرك المنتدى بباقتك الرائعة من مشاركات مستقبلية
لك منا أجمل المنى وأزكى التحيات والمحبة
ملتقى أهل السنة والجماعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قرآن وسنة بفهم سلف الأمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول


 

 نظرات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أبو أنس البيضاوي

أبو أنس البيضاوي


ذكر
عدد المساهمات : 38
نقاط : 118
تاريخ التسجيل : 10/10/2011

نظرات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي Empty
مُساهمةموضوع: نظرات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي   نظرات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي Emptyالإثنين 31 أكتوبر 2011, 16:22

هذا نص مشاركتي في مؤتمر القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في الجديدة في المغرب قصدت من هذا النشر إفادة كثير من الراغبين في الإطلاع على هذا البحث والله الموفق للصواب.
نظرات في القراءة المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي
إعداد:
أ.د/ محمد بن زين العابدين رستم
بحث مقدم إلى مؤتمر" القراءات المعاصرة للقرآن الكريم"
جامعة شعيب الدكالي كلية الآداب شعبة الدراسات الإسلامية الجديدة المغرب
2011م

الملخص
نزل القرآن الكريم لهداية الناس أجمعين، وللأخذ بأيديهم إلى سبيل النور المبين، والصراط المستقيم، ومن أجل ذلك كانت لغة هذا الذكر الحكيم، بينة واضحة، ومعربة مفصحة عن مقاصد الوحي، وأغراض الرسالة، وأسرار التشريع.
ولقد لبث المسلمون دهرا طويلا يفهمون تلك المقاصد وهاتيك الأغراض والأسرار، على هدي النبي المصطفى الأمين، ومنهاج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حتى نبتت في هذا العصر طائفةٌ من بني جلدتنا ويتكلمون بلساننا بيْد أنهم من أهل الحداثة والتغريب، تسوَّروا على أسرار القرآن الكريم، ومعانيه السامية فذهبوا يقرؤون القرآن قراءة جديدة معاصرة، تمسخ مفاهيمه، وتُعيد النظر في أحكامه وتشريعاته.
ولقد كان طريقُ نقل الكتاب العزيز طريقا مأمونا موثَّقا، لا تشوبه شائبة انقطاع، أو إعضال أو إرسال، وليس فيه إلا روايةُ جماعةٍ عن جماعةٍ لا يُتصور تواطؤُهم على الكذب والتزيد، وهذا الطريقُ الصحيحُ المستقيمُ هو الذي أكسب القرآن َالكريم قيمة علمية لا يُمكن الجدال فيها إلا من قِبل مكابرٍ أو مُعاند أو حداثيٍّ، يُحاول التَّرويج لمعاني الاستلاب والتبعية لفكرٍ دخيلٍ على روح الأمة الإسلامية ومقوِّماتها، ولقد تعددت أصواتُ هؤلاء النَّاعقين الحداثيين من أهل الفكر، وتنوعتْ اتجاهاتهم ومناهجهم في القراءة المعاصرة للأصْل الأوَّل من أصول التَّشريع الإسلامي، فكان منهم في بلاد المغرب العربي طائفةٌ من المفكرين الذِّين نُسبوا خطأً إلى الإسْلام، خرجوا على الناس في هذا العصر بجُملةٍ من الآراء الجديدة حول تاريخ القرآن الكريم، وطريقة نقله وتوثيقه، وسُبل استنباط معانيه وأحكامه، ومناهج تفسيره، إذ فسروا الذكر الحكيم تفسيرا جديدا، يجري في ركاب مُوضة العصر، ويُساير آخر صيحات النَّظريات اللِّسانية الغربيَّة المُعاصرة، ومناهج مدارس تحليل الخطاب في العالم الغربي،وتُحاول هذه الورقة تسليط الأضواء حول بعض النماذج من القراءات المغاربية المعاصرة للقرآن الكريم ، وذلك من خلال العناصر الآتية:
* نبذة عن البدايات الأولى لظاهرة القراءة المعاصرة للقرآن الكريم في بلدان المغرب العربي.
* رموز وأعلام القراءة الجديدة للنص القرآني في المغرب العربي.
* أهم النظريات والأسس المعرفية للقراءة الحداثية للقرآن الكريم في بلدان المغرب العربي.
* تقويم ونقد المناهج المعاصرة للقراءة الجديدة للنص القرآني في المغرب العربي والله الموفق.



المقدمة
نزل القرآن الكريم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايةً للبشرية، وأخذاً بها إلى سُبل الاستقامة و الرَّشاد، ولما كانت مقاصد إنزال القرآن الكريم تنحو هذا المنحى، وتنزع إلى هذا المعنى، تكفل الله عز وجلَّ بحفظه وبيانه، وإبقائه ودوامه، وتفهيمه وتفسيره، فهيأ له سبحانه وتعالى بواعث ذلك وأسبابه، ودواعيه ووسائله، فوصل إلينا بعد انقضاء قرون من نزوله، محفوظا مصانا كما أنزل، وجاءنا مفسَّرا مشروحا كما أراده المنزِل جلَّ وعلا، وكما بيَّنه المنزَل عليه صلى الله عليه وسلم، وفهمه أولوا النجابة من أهل الفصاحة والبيان من الصحابة والتابعين، ومَنْ بعدهم من ذوي الأهلية العلمية من أهل التفسير.
لقد لبث المسلمون طوال تاريخهم العريق- إلا فئة ضالة منهم – يعدُّون طريق نقل القرآن الكريم من أوثق الطرق وأقربها إلى السلامة وأدناها إلى الصحة، حتى نبتَتْ فيهم- في هذا العصر- زُمرةٌ من أهل الحداثة والتغريب من المشتغلين بدراسة الفلسفة وتاريخ الأفكار البشرية، فزعمت أنها عازمةٌ على إعادة تشكيل القرآن الكريم في إخراج جديد، ونُسخة حديثة، وفق مصادر جديدة ووثائق حديثة لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة، وتدثرت هذه الفئةُ النابتةُ بدثار" البحث العلمي" و"الموضوعية"،و"التجرد"، " والبحث عن الحقيقة"!!
ولبث المسلمون مذْ أن عرفوا هذا القرآنَ الكريمَ يفهمونه على ضوء أساليب العرب في نحوهم وبلاغتهم وبيانهم، وتهَدِّيهم إلى معاني الألفاظ، مستهدين بالثابت المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة الكرام، والتابعين الأعلام، والأئمة المشهود لهم بالتقدم في هذا الشأن الرفيع المقام، حتى نجمَتْ في هذا العصر طائفة من المفكرين العرب المسلمين، سمحتْ لنفسها أن تمارس ما تسميه:" قراءة جديدة"، و" تدبرا معاصرا"، و" تفسيرا حديثا"، و" فتحا لأفق قرآني حداثي جديد"، بدعوى أنها " تجتهد"، و" تفكر" و" تتدبر"، ولا حرج في " الاجتهاد" و" التفكر" و" التدبر"!!
ولقد نتج عن تعاطي هذه النابتة - من الضربيْن السابقيْن - للكلام في علمٍ له رجالُه وقواعدُه، وأصولُه وضوابطُه المبنية على أسس يعرفها المتخصِّصون فيه، ظهور كتابات ودراساتٍ في المشرق والمغرب كثيرة تفنَّن أصحابها في إخراجها، وتريَّث منشئوها في تصريف القولِ فيها دفاعا عن نظرية غريبة جديدة في تاريخ جمع القرآن وتدوينه، أو رأيٍ مخالف طارئ في القراءات التي قرئ بها القرآن الكريم، أو اجتهاد شاذ حادث في فهم مراد الله تعالى من محكم التنزيل، ولقد وجد هؤلاء " المجددون" من القارئين لكتاب الله قراءة معاصرة، ومن القائلين فيه قولا محدَثا جديدا ، الدربَ سالكا إلى نشر ما يعتقدون أنه صوابٌ من الرأي، فخرجتْ من ذلك كتبٌ ودراسات روَّجت لها دور نشْرٍ معروفة ببث هذا الضرب من التأليف.
ولقد أقْبلتِ النُّخب المثقفة من أبناء المغرب العربي على محاولات معروفة في قراءة النص القرآني قراءة جديدة، ودراسته على أنه ظاهرة تخضع لمناهج البحث العلمي خضوعَ النصوص البشرية لها، فكان من كلِّ ذلك مشاريع فكرية لفتت نظري للأسباب التي دعت إلى كتابة هذه الدراسة المقدَّمة إلى هذا المؤتمر- عنها، فمن بين هذه الأسباب:
* رواجُ هذه المحاولات التي كُتبت من قِبل أبناء المغرب العربي في تفسير الظاهرة القرآنية وقراءتها قراءة معاصرة بين مشرق العالم العربي ومغربه، وظهور أثرها السيء بين أوساط المثقفين من غير المتخصصين الشرعيين الذين بالغوا في التنويه بها، وعدِّها محاولات اجتهادية ذات اعتبار.
* فرحُ الحداثيين من أبناء العروبة والإسلام بكثير من هذه المحاولات القارئة للقرآن الكريم قراءة جديدة، لأنها سوف تفتح لهم أبواب التأويل والتحريف على مصراعيه، كما أنها ستمهد لهم سبيلَ القول بأن هذا الكتاب الذي يعتد به المسلمون مصدرا للتشريع والأحكام، لم يسلم طريق نقله من آفة السقط والتزيد والإلحاق!!
*وصول هذه المحاولات إلى أيدي الناشئة من طلبة العلم، وتردُّد كثير من تفاصيلها في بعض المحاضرات الجامعية، وتبني بعض الموجِّهين والأساتذة لها، اعتقادا بسلامة المعلومات التي تشتمل عليها، وصحة التحليلات المتوصل إليها.
*عدم وجود دراسة مفردة للقراءات المغاربية المعاصرة للقرآن الكريم، وغايةُ الموجود دراسات عامة تتناول ظاهرة القراءة المعاصرة بذكر نماذج من مشرق العالم العربي ومغربه، ولذلك أحببتُ أن أفرد النماذج المغاربية بالدراسة والبحث.
ولما عزم اللهُ لي على البحث في هذا الموضوع، طفقتُ أتفكَّر في خُطَّة الدراسة والتحليل، ومنهج تقريب المادَّة العلميَّة للقارئ والمستفيد، فكان الذي صح عندي من ذلك بعد إجالة نظر، وطول رويَّة ما يلي:
*قدَّمتُ للدراسة بـ"مقدِّمة" شرحتُ فيها فكرةَ البحث، وذكرتُ الأسبابَ الداعيةَ إليه، والمنهج الذي سرت وفقه في المباحث والمطالب.
*مهدتُّ للدراسة بمبحث تمهيدي، شرحتُ فيه بعض المصطلحات الواردة في عنوان البحث.
*ثم تخلَّصتُ بعدُ في المبحث الأول إلى رصد البدايات الأولى لظاهرة القراءة المعاصرة للقرآن الكريم في المغرب العربي، متحدثا عن الأسباب الحاملة على ذلك.
*وفي المبحث الثاني: ذكرت رموز وأعلام الظاهرة في دول المغرب العربي.
*ثم خلصت في مبحث ثالث إلى ذكر الأسس المرجعية للقراءة المعاصرة للقرآن الكريم في المغرب العربي.
* ثم تدرَّجت إلى مبحث رابع في ذكر نتائج القراءة الحداثية للقرآن الكريم في المغرب العربي مع نظرات نقدية لها.
* ثم ختمتُ الدراسة بخاتمة اشتملت على ثمرات البحث ونتائجه، وتوصيات واقتراحات تفتح آفاقا جديدة له.
ومن مقتضيات الكتابة في هذا الضرب من البُحوث، سلوكُ سبيل المنهاج الاستقرائي لمختلف نماذج القراءات الجديدة للنص القرآني في المغرب العربي، ثم استنباط معالم الأسس المرجعية لهذه القراءات، مع التعريج على المنهج التحليلي النقدي لهذه المرجعيات في نظرة تقويمية من قِبل الباحث لهذه النماذج.
والله أسأل أن ينفع بهذه الدراسة، وأن يكتب لها الحظوة والقبول، ويفتح بها أبوابا من البحث مغلقة، وأصلي وأسلم على الهادي البشير، والنبي الأمي النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المبحث التمهيدي: في بيان معنى بعض مصطلحات عنوان البحث
في هذا المبحث التمهيدي سنُلمُّ ببعض مصطلحات عنوان هذه الدراسة التي يكون عليها مدارُها، معرضين عن التعريج على ما بان معناه منها مما هو معروف متداول.
1- في معنى القراءة:
نُسارع إلى القول بأننا ههنا لن نتعرض للمعنى اللغوي لهذا المصطلح، لأنه" لا علاقة له بنفس اللفظ الموجود في المعاجم العربية قديمها وحديثها"[1]، وهو ترجمة عربية لكلمة)Lecture) الفرنسية، وانتقل إلى العالم العربي في سياق عملية المثاقفة.
ولقد اختلفت عبارات الباحثين في ظاهرة قراءة النص القرآني المعاصرة في تعريف معنى القراءة المراد هنا، فقال كلٌّ بحسب فهمه ونظره، ففي حين عرِّفت بأنها:" استخدام النظريات الحديثة في تأويل القرآن الكريم"[2]، نجد من عرَّفها بأنها:" تعني التفسير أو التأويل" [3]، ويرى بعض الباحثين في هذه الظاهرة أن من لوازم الأخذ بـ:" القراءة" منهجا لفهم القرآن" المعرفة والإطلاع على المذاهب الحديثة في البحث والدراسة والنقد"[4].
2- في معنى المعاصرة:
وأما المعاصِرة،فهذه اللفظة مأخوذة من العصر ولها معنيان، الأول: الدهر[5]،وهو الزمن المنسوب لشخص أو دولة أو نحو ذلك، ومنه عصر الرسول عليه الصلاة والسلام[6]، والثاني: الوقت المعلوم الذي تُؤدَّى فيه الصَّلاة المخصوصة، التي يُقال إنها الصلاة الوسطى[7].
والمعنى المُناسب لكلمة المُعاصِرة الواردة في عُنوان هذا البحث، هو المعنى الأول، وعلى هذا فيكون المُراد بالقراءة المعاصرة للقرآن الكريم، القراءات الجديدة في العصر الراهن " وسموا هذه القراءات بالمعاصرة تمهيدا لأن يكون في كل عصر قراءة جديدة للقرآن الكريم".[8]
وجرى بعضُ المعاصرين من الباحثين في ظاهرة قراءة النص القرآني قراءة معاصرة على استعمال القراءة الحداثية أثناء التعبير عن هذا الضرب من القراءات[9]، ولعل ذلك منهم ذهابا إلى كون السالك لمنهج القراءة الجديدة للنص القرآني، لابد أن يكون متمردا على القواعد والأصول التي على ضوئها فهم هذا النصَّ الكريمَ السلفُ الصالحُ، آخذا بمناهج الغرب الحديثة في البحث والدراسة والنقد.
كما أن من الباحثين من قد جرى على التعبير عن هذا اللون من القراءة بـ: القراءة الجديدة"،[10] وأكدت باحثةٌ على أهمية استعمال مصطلح" القراءة العصرانية"، وتحفظها على استعمال مصطلحي القراءة الجديدة أو المعاصرة، قائلة:" لما تحمله الأولى من تحديد دقيق في توجهات أصحابها، في حين أن المصطلحات الأخرى لا تحمل بالضرورة تلازما بين المفهوم و المصطلح، فليس كل قراءة جديدة أو معاصرة يحكم عليها بالعصرنة[11]".



المبحث الأول: بدايات ظاهرة القراءة المعاصرة للقرآن الكريم في المغرب العربي
يصعب تحديد تاريخ معين لبداية ظاهرة القراءة الجديدة للنص القرآني في دول المغرب العربي، بيْد أن الذي نتحققه أن الفضاء المغاربي وخاصَّة في تونس والجزائر والمغرب، قد عرف دخول مصطلح "القراءة" إلى الساحة الأدبية في أواخر السبعينيات من القرن العشرين.[12]
وكان من بين الأسباب التي جعلت ظهورَ هذا المنهاج القارئ للنصوص دينية كانت أو غير دينية أولا في مغرب العالم العربي، ثم انتشاره بعدُ في المشرق، وجود روابط ثقافية بين دول شمال إفريقيا وفرنسا التي عرفتْ مناهج النقد فيها أواخر الستينيات موجة تمرد على مناهج الدراسة الأدبية التقليدية، وبروز منهج جديد سمي القراءة )Lecture) وظف في قراءة النصوص الأدبية والدينية.[13] ولقد تجلت هذه الروابط الثقافية بين دول المغرب العربي وفرنسا، في ظاهرة الإبتعاث الطلابي، إذ ساهمت دراسة كثير من المثقفين المغاربيين في الجامعات الفرنسية كالسو بون وغيرها، في انتقال هذا الوافد الجديد الموظَّف في الفهم المعاصر للنصوص.
المبحث الثاني: رموز وأعلام ظاهرة القراءة المعاصرة للقرآن الكريم في المغرب العربي
يغطي فضاءُ المغرب العربي دولا تضم ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا، ولقد ظهرت في هذه الدول طائفةٌ من الحداثيين العلمانيين الذين اعتقدوا أنه بالإمكان تطويع النصوص الدينية، لمعاني ما يصدرون عنه من قناعات فكرية، وفدت عليهم من الغرب.
ولقد كان القرآن الكريم محطَّ عناية هذه الطائفة التي تضم أدباء ومفكرين، ومشتغلين بالفلسفة وعلم الإجتماع تأويلا وتحريفا، من خلال استعمال ما اصطُلح على تسميته:بـ" القراءة الجديدة للنص القرآني"، وإنما توسلت هذه الطائفة بهذا المنهاج المستورَد الدخيل في فهم القرآن الكريم، لأنها لا تقْدر على البَوْح بتمردها الصاَّرخ على المرجعية الإسلامية في ثوابتها ومرتكزاتها علانيةً أمام الملإ، لعدم شجاعتها الأدبية، وخوفها من ذهاب مناصبها وهيبتها عند قارئيها والمغرمين بمتابعة منشوراتها وكتبها.
ولسنا هنا نرومُ تقصي أسماء من تبنى منهج القراءة الحداثة للنص القرآني في دول المغرب العربي على نحوٍ مستوعب، وسنقتصر على الرموز والأعلام دون التلاميذ والأتباع كما دلَّ على ذلك عنوان هذا المبحث، وهؤلاء الرموز والأعلام هم الذين سنختارهم لاحقا نماذج للدراسة والتحليل، على أننا سنختار من كلِّ قطر مغاربي علَما واحدا [14].
فمن أعلام هذا التيار الحداثي في المغرب:
*د/ محمد عابد الجابري، الذي ولد في فكيك بشرق المغرب سنة 1936م، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في سنة 1976م، ثم على دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970م من كلية الآداب بالرباط، وعمل أستاذا في نفس الكلية لمادة الفلسفة والفكر الإسلامي، توفي سنة 2010م، وللجابري كتبٌ كثيرة في الفلسفة والفكر الإسلامي، يهمنا منها هنا كتابه:" فهم القرآن الكريم " في أجزاء صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت سنة 2008م، وكتابه:" مدخل إلى القرآن الكريم".
ومن أعلام هذا الاتجاه في الجزائر[15]:
* د/ محمد أركون: الذي ولد في مدينة تاوريرت بمنطقة القبائل الأمازيغية بالجزائر سنة 1928م، وأكمل دراسته الثانوية في وهران، ثم ابتدأ دراسته الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر العاصمة، ليتمها في السوربون في باريس، وهناك حصل على الدكتوراه في الفلسفة سنة 1968م، وعمل أستاذا في السوربون لمدة طويلة، وتوفي سنة 2010م، ومحمد أركون كتبٌ كثيرة في الفلسفة والفكر الإسلامي بالفرنسية تُرجم كثيرٌ منها إلى العربية، يعنينا منها ههنا، كتابه عن:" القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني"، وكتابه:" الفكر الإسلامي نقد واجتهاد" ففيه فصول خاصة بتفسير القرآن الكريم وتدوينه وجمعه، وكتابه عن:" الفكر الإسلامي قراءة علمية" ففيه مباحث خاصة بالقرآن الكريم.
ومن أعلام هذا الاتجاه في تونس:
*د/ عبد المجيد الشرفي: أستاذ الحضارة العربية الإسلامية في كلية الآداب جامعة تونس، متخصص في الدراسات الإسلامية، له كتب سترد الإحالة إليها، اشتملت على محاولات جديدة في قراءة القرآن الكريم قراءة حداثية.
ومن أعلام هذا التيار في ليبيا:
* د/ الصادق النيهوم: ولد سنة 1937م في بنغازي بليبيا ودرَس بالجامعة الليبية بكلية الآداب والتربية في قسم اللغة العربية، وتخرَّج منها، ونال الدكتوراه من جامعة ميونيح ، ودرَّس مادة مقارنة الأديان بجامعة فنلندا ، وتوفي سنة 1994م في جنيف، له كتب فيها آراء بخصوص القراءة الجديدة للقرآن الكريم سترد الإحالة عليها فيما يأتي.
ومن الملاحظ على هذه الرموز التي تتبنى منهجا حداثيا في التعامل مع القرآن الكريم تاريخا وتفسيرا، ما يلي:
- أغلب هؤلاء الأعلام ليسوا من المتخصصين في الدراسات الشرعية بالمعنى الدقيق لكلمة التخصص، فهم في العموم متخصصون في الفلسفة والفكر الإسلامي والأدب، وقد جوَّزوا لأنفسهم أن يتكلموا في علمٍ له رجالُه الذين يحذقون قواعده وضوابطه، ويُتقنون أصوله ومبادئه، وإنما تسَوَّر هؤلاء على هذا الباب، بدعوى فتح مجالات الاجتهاد والتجديد، لإخراج الشعب العربي من التخلف إلى التقدم، ومن التبعية المطلقة لسلطة النقل إلى الاحتكام إلى مقولات العقل!!!
- أغلب هؤلاء من الطبقة التنويرية من ذوي النزعة التمردية على الموروث الثقافي للأمة الإسلامية، ولذلك تجاسر هؤلاء على ركوب موجة نقد أصول المرجعية الإسلامية، وهدم المعطى الحضاري للأمة، الذي وصل إلينا في شكل اجتهادات دائرة حول القرآن الكريم والسنة النبوية، وبناء نظريات غريبة، وآراء شاذَّة حول هذين الأصلَيْن العظيميْن، تنال من منزلتهما عند الأمة، وتزحزح ثقة المسلمين بهما.
- تتبنى هذه الطائفة من القارئين للقرآن الكريم قراءة معاصرة، العلمانيةَ منهجا للحياة، وخطةً سالكة للتعامل مع أحكام الإسلام وتشريعاته، فلا جرمَ إذن من أن يكون لها منهجٌ حداثي في قراءة القرآن الكريم، يقوم على أساس التأويل والتحريف، لتمرير قناعاتها الفكرية اللادينية، وتأصيل اجتهاداتها الشاذة إرضاءً للغرب، وتزلفا له.
- تعاطي هؤلاء الكتابةَ عن القرآن الكريم تاريخا وتفسيرا، إنما جاء مجاراة لموضة التأليف في الإسلاميات من قِبل كثير من المتسورين على هذا الباب في هذا العصر، وأيضا من أجل ترويج كتبهم ومنشوراتهم، لأنه في الحق ما كانوا يكونون مقروءين لولا كتابَتُهم في موضوعات تتصل بدين وثوابت الأمة.
المبحث الثالث:الأسس المرجعية للقراءة المعاصرة للقرآن الكريم في المغرب العربي
لا يكاد يخرج في الجملة ما طرحه الحداثيون العرب في دول المغرب العربي بخصوص "نزواتهم الفكرية "تجاه القرآن الكريم عن أسس مرجعية واحدة، ومنطلقات تنظيرية متحدة، رغم تباين الأوطان، واختلاف المشارب والنزعات والمناهج، وسنذكر هنا أهم معالم الأسس المرجعية للحداثيين في المغرب العربي في تناولهم للنص القرآني:
1- التاريخانية:"مذهب يقرر أن القوانين الاجتماعية تتصف بالنسبة التاريخية، وأن القانون من نتاج العقل الجمعي، وتعمم ذلك على الشرائع الإلهية أيضا"[16]، وإذا أُخذ بهذا الأساس المرجعي منهاجا لتفسير النصوص الدينية، كان معنى ذلك أن تكون هذه النصوص رهينة تاريخها إذ " لا يمكن فصل أي نص عن تاريخه"[17].
ولقد كان هذا المنطلق المنهجي الذي أخذ به فلاسفة التنوير الغربي، مرجعا أساسيا في تعامل العلمانيين من القارئين للقرآن الكريم من دول المغرب العربي مع نصوص الكتاب العزيز، ومن بين هؤلاء:
أ- محمد أركون الذي عرف في كتاباته المتعددة عن القرآن الكريم بأخذه بهذا المنهاج التاريخاني، ودعوته الملحة للمسلمين إلى وجوب قراءة القرآن المجيد على ضوئه، يقول في ذلك:" ينبغي أن يستيقظ المسلمون، أن يفتحوا عيونهم، أن يقرؤوا القرآن بعيون جديدة، أن يتموضعوا في عصره وبيئته لكي يفهموه على حقيقته، وعندئذ لا يعودون يسقطون عليه أفكار عصرهم وهمومه، أو نظرياته وأيديولوجياته، فالقرآن ليس كتابا في علم الفيزياء أو الكيمياء، ولا في علم الاجتماع والاقتصاد، وهو لا يفرض نظاما اقتصاديا محددا دون غيره، ولا نظاما سياسيا معينا، هذه الأشياء متروكة للبشر لكي يحلوها طبقا لقوانين علم الاقتصاد والاجتماع والسياسة، القرآن هو أولا وقبل كل شيء خطاب ديني يتحدث ببلاغة عالية عن موضوعات أساسية تخص البشر أينما كانوا كالحياة والموت والآخرة والعمل الصالح، والعدل وحب الجار..."[18]، ولا يتورع محمد أركون تبعا لهذا المنهاج أن يدعي أن الخطاب القرآني " تعبير رمزي ذو بنية أسطورية تعبر عن وقائع أصيلة ترتبط بالوضع الثقافي للجماعة التي أبدعته"[19].
ب- الصادق النيهوم الذي يرى استحالة تطبيق الشعائر الإسلامية المؤصَّلة في القرآن الكريم، لأن النص القرآني مرهون بتاريخه فيقول:" الثابت أن القرآن لا يتردد في القول بأن ركن الإسلام الأول ليس هو الصلاة والزكاة وأداء الشعائر، كما تزعم نظرية القواعد الخمس[20]، بل هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يمكن تطبيقه إلا في مجتمع قائم على سلطة الأغلبية"[21].
2 - التأويل: إذا كان التأويل عند أهل الأصول يعني:" حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه مع احتماله له بدليل يعضده[22]"، وأنه لابد أن يكون في نطاق النص، ضمن شروط وضوابط[23]، فإنه غدا مطية كثير من مشاريع القراءة الحداثية للنص القرآني في المغرب العربي، لدفع التشريعات الإسلامية، وليِّ أعناق كثير من محكمات نصوص الأحكام الربانية.
وقبل بيانِ طريقة أخذ دعاة القراءة الجديدة للنص القرآني في المغرب العربي بالتأويل منهجا للقراءة، نشير إلى عظم منزلة التأويل عند هؤلاء الدعاة إذ يرون - ويشاركهم في هذا كل قارئ حداثي من المشرق - أن" تأويل الكتاب المقدس حق لكل شخص، فما يعنيه النص لشخص ما، لا يعني أنه هو بعينه ما يقصده لشخص آخر، فلكل واحد الحرية في تأويل وفهم النصوص الكتابية طبقا لتراثه الخاص وتجربته الإنسانية[24]".
ولقد نوَّع بعض الباحثين في ظاهرة القراءة الحداثية للقرآن الكريم التأويل إلى أنواع بحسب استقراء بعض المشاريع الفكرية في هذا المجال، فمن ذلك:
* التأويل الزمني: ونسبة الزمن إلى التأويل كانت كذلك" لأن عنصر الزمن يعتبر فيه عاملا حاسما في تحديد معاني النص الديني، وفي صرفها عن مدلولها الظاهري إلى مدلولات أخرى يقتضيها الزمن الذي يعيش فيه المخاطَب بذلك النص"،[25] وفُسِّر الزمنُ هنا بـ" الحال التي يكون عليها المخاطبون، والأوضاع التي تتشكل عليها حياتهم الروحية والثقافية والاجتماعية والتي تتغير بعامل الزمن".[26]
وكان هذا النوع من التأويل سببا عند العلمانيين من أصحاب القراءة المعاصرة للنص القرآني، في إبطال كثير من أحكام الحدود بدعوى أنها مرتبطة بزمان ومكان منفصليْن عن زماننا، ولعل عبد المجيد الشرفي يعبر عن هذا الضرب من التأويل عندما يقول:" لاينبغي أن يكون تنفيذ عقوبة معينة كما هو الشأن في القصاص والسرقة وغيرهما محسوبا على الخضوع لأوامر إلهية لا صلة لها بالزمان والمكان، بل هي مما اقتضته ضرورات الاجتماع والأخلاق، وهي أمور متغيرة وغير مستقرة، تتأثر بعوامل عديدة منها الثقافي ومنها الاقتصادي والسياسي".[27]
* التأويل المقاصدي: سلك المؤوِّلة الجُدد من أصحاب القراءة الحداثية للقرآن الكريم من أهل المغرب العربي، هذا النوع من التأويل الذي" ينتهي بالنص الديني إلى إهدار الأحكام المتعلقة بضبط الأفعال من حيث إذا تحققت المقاصد بدون ضوابطها وتفاصيلها أصبحت هذه الضوابط لاغية في القراءة التأويلية[28]".
وتسارع أصحابُ القراءة المعاصرة للقرآن الكريم من دول المغرب العربي، إلى القول في أحكام الشريعة بقولٍ رأوا فيه أن هذه الشرائع إذا حققت مقاصدها، فلا غضاضة من إبطال ما ورد بخصوصها من حدود منصوصة مقيدة بزمنٍ غير زماننا، وبوضعٍ غير وضعنا، فمثلا يحاول عبد المجيد الشرفي أن يدفع تطبيق حد السرقة المنصوص عليه في القرآن الكريم بأنه حد مناف للقيم الحديثة، ولهذا تواصل البحث عن تعليلات مختلفة لتحاشي إقامته، ويذكر أن الأصوات المنادية بالعدول عنه تعددت، لمنافاته لحقوق الإنسان.[29]
وعندما سئل محمد أركون عن كيفية التعامل مع قوله تعالى:" للذكر مثل حظ الأنثيين" (سورة النساء الآية 11) أجاب بأنه "لا يمكننا أن نستمر في قبول ألا يكون للمرأة قسمة عادلة، فعندما يستحيل تكييف النص مع العالم الحالي، عندما يكون منبثقا عن وضع اجتماعي لا يتناسب في شيء مع عالمنا الحاضر، ينبغي العمل على تغييره"[30].
3 - مناهج العلوم الإنسانية: غدا القرآن الكريم بالنسبة لأصحاب المشاريع الحداثية في قراءة النص الكريم في العصر الراهن مرتعا خصبا لتطبيق نظريات العلوم الإنسانية، " وبتتبع واستقراء مختلف كتابات المعاصرين الداعية إلى فهم كتاب الله في ضوء المناهج الحديثة لتحليل الخطاب، لا نكاد نجد قاسما مشتركا بين مختلف الكتابات سوى تلك الرغبة الجامحة لإسقاط أي نظرية على النص القرآني دون مراعاة مدى توافقها معه أو مجافاتها له، والدارسُ اليومَ يستطيع أن يقرر...أنه ما من منهج أو نظرية معرفية ظهرت إلا انعكس صداها في الدرس القرآني"[31].
وكثيرٌ من أصحاب القراءة المعاصرة للقرآن الكريم من المغرب العربي، وظَّفوا بعض هذه المناهج المعرفية الحديثة لفهم آيات الكتاب العزيز، ومن بين هؤلاء محمد أركون الذي حاول الأخذ بعدة مناهج في قراءته للنص القرآني منها البنيوية فاللسانيات ثم السيميائيات، ثم انتقل إلى علم الأناسة والأنثروبولوجيا، ولعله يخلط أحيانا بين هذه المناهج كلها أثناء عملية القراءة[32]، ذلك لأن القراءة الإيمانية حسب أركون لا تخدم القرآن الكريم ولا الفكر الإسلامي، ويجب أن يُخدمَ هذا النوع من الفكر من قبل باحثين مستقلين، عوض خدامه المتحمسين، وهم المستشرقون واللادينيون.[33]
ونقف هنا بالقارئ الكريم على كيفية توظيف محمد أركون للسانيات البنيوية، في قراءة القرآن الكريم:
- يعرِّف أركون القرآن الكريم تبعا للمنهج المعلن عنه في القراءة بأنه" مجموعة محدودة ومفتوحة من النصوص باللغة العربية، يمكن أن نصل إليها ماثلة في النص المثبت إملائيا بعد القرن الرابع الهجري"[34]، وهذه النصوص تم شرحها ثم تطبيقها وفرضها على حياة الناس بطريقة لا تسمح بحرية الفكر، يقول أركون:" كان الوحي قد ترسخ على هيئة نظام معرفي مهيمن تماما...ولقد حدث تاريخيا أن وجد أناس هضموا هذا النظام المعرفي وتمثلوه وفسروه بشكل أرثوذكسي صارم ثم طبقوه بكل جبروت هكذا تجمعت كل الشروط الملائمة لتصفية إلحاح الفهم والتعقل، أو على الأقل لضبط هذا الإلحاح وسجنه ضمن حدود لا يتعدها، لكننا نعرف جيدا ماذا يعني هذا الضبط وتلك الرقابة، لذا نلاحظ أن هناك حاجة مستمرة للنضال من أجل اكتساب استقلالية نسبية للفكر.."[35].
- وينطلق محمد أركون بعد هذا في مشروعه القراءتي للقرآن الكريم قائلا:" ينبغي أولا إعادة كتابة قصة تشكل هذا النص بشكل جديد كليا، أي نقد القصة الرسمية للتشكيل التي رسخها التراث المنقول نقدا جذريا، وهذا يتطلب الرجوع إلى كل الوثائق التاريخية التي أتيح لها أن تصلنا سواء كانت ذات أصل شيعي أم خارجي أم سني، هكذا نتجب كل حذف ثيولوجي لطرف ضد آخر، المهم عندئذ التأكد من صحة الوثائق المستخدمة، بعدها نواجه ليس فقط مسألة إعادة قراءة هذه الوثائق، وإنما أيضا محاولة البحث عن وثائق أخرى ممكنة الوجود كوثائق البحر الميت التي اكتشفت مؤخرا...هكذا نجد أنفسنا أمام عمل ضخم من البحث ونحقيق النصوص الذي يتبعه فيما بعد- وكما حدث للأناجيل والتوراة – إعادة قراءة سميائية ألسنية للنص القرآني، إن المنهج الألسني رغم غلاطته وثقل أسلوبه، يمكنه أن يحررنا من تلك الحساسية التقليدية التي تسيطر على علاقتنا البسيكولوجية بتلك النصوص".[36]
- ويرى أركون أن إعادة قراءة النص القرآني تمر بمراحل ثلاثة: * مرحلة الدراسة اللسانية: وهنا لايحدد أركون منهجا منضبطا لفهم القرآن الكريم وتفسيره في ضوء اللسانيات الحديثة " ويقتصر جل كلامه على المطالبة بطرح المنطق اللغوي في فهم النصوص، وترك علوم اللسان العربي للبحث في بنية الكلام القرآني".[37]* مرحلة التعرف على البنية الأسطورية للقرآن الكريم:يتكلف أركون من أجل إضفاء البنية الأسطورية على الخطاب القرآني، فيقرر بأن الأسطورة تعبير رمزي عن حقائق أصلية وكونية وترتبط بالوضع الثقافي للمجتمع الذي يخلقها[38] * مرحلة إعادة تقويم التراث التفسيري المتراكم: يقول أركون منوها بالتراث التفسيري الباطني ذاما غيره من التفاسير التي نعتها بـ:"التقليدية"[39]:"...وبالفعل فإن الذين حازوا اسم أهل السنة والجماعة قد عملوا على تبني منهج في قراءة القرآن يناسب فرض نظرية الأمر الواقع فالطاعة تجب للخليفة وذلك بإضفاء المشروعية على حكمه...وهكذا فقد جرى رفض إمكانية وجود معنى باطن للقرآن من قبل هؤلاء، غير أن هذا المعنى هو الذي سيحظى بالأهمية عند الشيعة بفضل تقنية في التأويل تخترق ظواهر الكلم لبلوغ الباطن، وبحكم ذلك فإن الذين اعتبرتهم الأيديولوجية الرسمية مارقون من الدين، هم الذين كانت لهم القدرة لمعارضة الموقف الذرائعي للسنيين بموقف ديني قادر على إبقاء الإلحاح الأول للوحي في قلوب الناس".[40]
4 - عقلنة النص القرآني:يهدف هذا المنهج الأدواتي في القراءة الحديدة للقرآن الكريم إلى رفع عائق الغيبية أي زحزحة الوحي عن مكانته باعتباره مصدرا للمعرفة، ويتم ذلك عن طريق التعامل مع الآيات بكل ما توفره النظريات والفلسفات الحديثة، ويكون ذلك بواسطة نقد علوم القرآن، والتوسل بالمناهج المقررة في علوم الأديان بالغرب، وإعطاء العقل سلطة مطلقة في إخضاع الآيات للنقد.[41]
ولقد تولى د/محمد عابد الجابري في المغرب كِبْر هذا الاتجاه العقلاني في قراءة النص القرآني، وذلك منذ أن شرع يدعو في كتبه إلى استعمال " العقلانية" و" الروح النقدية" في التعامل مع التراث العربي[42].
" ويبرز هذا المنحى العقلاني ..بقراءته النقدية لمختلف الروايات والمصادر التاريخية إضافة إلى تبني
منهج علمي موضوعي يقارب النص بعيدا عن ظلال الانتماء العقدي"[43].
يقول الجابري منوها بهذا المنهاج الذي سار عليه في قراءة القرآن الكريم:" إن خطابنا هنا لن يكون دعوة، ولا خطابا مضادا لأية دعوة، إنه خطاب ينشُد التعبير عن الحقيقة كما تبدَّت لنا من خلال موقف حيادي موضوعي من الوقائع وتعامل نقدي مع المصادر"[44].
ويمكن تلخيص معالم قراءة الجابري للقرآن الكريم – مع إبداء بعض النظر النقدي لهذه المعالم- في العناصر الآتية:
1 - مبرر القراءة الجديدة عند الجابري: يبين الجابري السبب الحامل له على تعاطي عملية القراءة بقوله:" ...فهم القرآن مهمة مطروحة في كل وقت ومطلوبة في كل زمان، وقد يكفي التذكير بأنَّ اقتناعنا بأن القرآن يخاطب أهل كل زمان ومكان، يفرض علينا اكتساب فهم متجدِّد للقرآن بتجدد الأحوال في كل عصر"[45].
2- عَدُّ القرآن الكريم ظاهرةً : جرت أغلب القراءات الحداثية للقرآن الكريم على عدِّه ظاهرة، تعرض على بساط الدرس والبحث والنقد، والجابري لم يكد يشذ عن هذه العادة، فهو يقول متحدثا عن قيمة التعاريف السابقة للقرآن الكريم وضرورة تجاوزها أنه يجب:" استعادة الأسئلة القديمة التي كانت وراء كونها، وطرح أخرى حديثة تتجاوزها، أعني بذلك طرح مسار الكون والتكوين للظاهرة القرآنية نفسها"[46].
3- تعريف الظاهرة القرآنية: يبادر الجابري إلى تعريف القرآن بعد أن أعرض عن تعاريف السابقين له وتجاوزها، فيقول:" القرآن إذا وحي من الله حمله جبريل إلى محمد بلغة العرب وهو من جنس الوحي الذي في كتب الرسل الأولين"[47] مغفلا من التعريف كون القرآن معجزا متواترا معبدا بلفظه[48]، ويشذ الجابري في تفسير ما سماه بـ:" الظاهرة القرآنية" عندما يعُدُّ الوحي" تجربة روحية"" وإنما قد تصدق هذه العبارة على علاقة النبي صلى الله عليه وسلم القلبية والوجدانية والروحية، باستقبال الوحي، وأما الوحي، وأما الموحَى به، فشيءٌ آخر"[49].
4- تجاوزُ المنقول حول النَّص القرآني من تفاسير وتأويلات سابقة : يقوم مشروع الجابري في قراءة القرآن الكريم على أساس" فصل" المقروء ( القرآن) عن القارئ ( التراث التفسيري) للتعامل مع " النص" في " أصالته" من غير وسائط، وفي ذلك يقول الجابري:"...لقد كنَّا نطمح إلى أن نوضح كيف أن فهم القرآن ليس هو مجرد نظر في نصٍّ مُلئت هوامشه وحواشيه بما لايحصى من التفسيرات والتأويلات، بل هو أيضا فصْل هذا النص عن تلك الهوامش والحواشي، ليس من أجل الإلقاء بها في سلة المهملات، بل من أجل ربطها بزمانها ومكانها، كي يتأتى لنا الوصل بيننا نحن في عصرنا، وبين النص نفسه كما هو في أصالته الدائمة"[50].
5- النظرة التاريخية للقرآن الكريم: يقول الجابري:" القرآن تاريخي، وللتعامل معه لابد من فكر تاريخي متتبع لتطور الثقافة العربية، وخصوصا الجانب الكلامي والفقهي[51]"، لقد كان مشروع الجابري في فهم القرآن الكريم" يطمح إلى تأسيس قراءة تاريخية للنص تضع السور في سياق محطات شهدت متغيرات سياسية وثقافية ولغوية وعلائقية بالتضاد أو الائتلاف مع الدعوة"[52].
والظاهر من تصرفات الجابري في قراءته الجديدة للقرآن الكريم، أنه يعُدُّ التنزيل الحكيم نتيجة تاريخية لما سبقه ومهَّد له من حركات ثقافية ودينية في الجزيرة العربية [53] .
ولقد أدى المنهج التاريخي في مشروع الجابري للقرآن الكريم إلى اعتماده جملة من الإجراءات أثناء عملية القراءة منها:
أ- اعتماد ترتيب النزول في فهم النص: والهدف من هذا الإجراء " التعرف على المسار التكويني للنص القرآني باعتماد مطابقته مع مسار الدعوة المحمدية، فإن دور المنطق أو الاجتهاد لابد أن يكون مركزا أساسا على المطابقة بين المسارين: مسار السيرة النبوية والمسار التكويني للقرآن".[54]
ب – اعتماد منهج الشك في المسلَّمات التي أجمع عليها السابقون في علوم القرآن: ظل الجابري مؤمنا " بأن سبيل الوصول إلى اليقين هو الشك في كل المعطيات التي وصلت في الذهنية العربية إلى حد اعتبارها من المسلَّمات..لذلك شكك في أمية الرسول وزعم أنه كان عالما بالقراءة والكتابة[55]، وشكَّك في تمامية النص القرآني، وتعامل معه كنص عادي يمكن فيه السقط والزيادة حيث أعاد الحديث القديم حول التحريف[56]...وشكَّك في واقعية القصص القرآني[57]".[58]
ت – رفض كل ما له بُعد غيبي ذي حمولة إعجازية وتوظيف التأويل في فهمه: أخضع الجابري كلَّ ما ورد ثابتا من معجزات لسلطان العقل، فوقف عند كل ذلك مؤوِّلا منسجما مع"عقلانيته" التي ارتضاها منهجا في قراءة القرآن الكريم، فانشقاق القمر لا يخرج عن ككونه خسوفا، وحادث الإسراء والمعراج كان مناما لا يقظة.[59]
المبحث الرابع: نتائج القراءة الحداثية للقرآن الكريم في المغرب العربي
لقد أسفرتْ موضة القراءة المعاصرة للنص القرآني في المغرب العربي، عن ظهور مفاهيم جديدة للثوابت الإسلامية التي أصَّلتِ القولَ فيها تأصيلا واضحا بينا محكماتُ الكتاب العزيز، وبيِّناتُ نصوصِ الأحاديث النبوية الصحيحة، وناصعاتُ عباراتِ اجتهادات الأئمة الأعلام من سلف وخلف هذه الأمة الإسلامية.
ونسوق هنا جملة من هذه المفاهيم الجديدة ، فمن ذلك:
* ظهور مفهوم جديد للوحي( القرآن الكريم): تجاسر التيار الحداثي القارئ للقرآن الكريم في المغرب العربي، على تحديد معنى جديد للوحي منسجما مع نظريته في الفهم الجديد للنص القرآني، ولقد شجع هذا التيارَ الحداثيَ على هذا التجاسر وضعُهُ القرآنَ الكريمَ في حيز" المفكَّر فيه"، بعد أن كان – حسب رأي التيار- في حيز" اللاَّمفكر فيه"، يقول أركون في هذا السياق:" نحن نريد للقرآن المتوسل إليه من كل جهة والمقروء والمشروح من قبل كل الفاعلين الاجتماعيين المسلمين مهما يكن مستواهم الثقافي وكفاءتهم العقائدية، أن يصبح موضوعا للتساؤلات النقدية، والتحريات الجديدة المتعلقة بمكانته اللغوية والتاريخية والأنتروبولوجية والتيولوجية والفلسفية نطمح من جراء ذلك إلى إحداث نهضة ثقافية عقلية وحتى إلى ثورة تصاحب الخطابات النضالية العديدة من أجل أن تفسِّر منشأها ووظائفها ودلالاتها، ومن ثمَّ من أجل السيطرة عليها".[60]
ولقد سعى الاتجاه العلماني في قراءة النص القرآني في المغرب العربي إلى أن يزحزح المفهوم السائد للوحي عند المسلمين اليومَ ويتجاوزه[61]، ويفسِّره على أنه ظاهرة طبيعية كسقوط المطر، أو هبوب الريح[62]، كما سعى هذا التيار العلماني إلى أن يكون النص القرآني تابعا للواقع[63]، ظني الدلالة متعدد المعنى[64]، نسبي الثبوت[65]، فيه أخطاء نحوية ولغوية و إملائية[66]، ينبغي نزع القداسة عنه وانتقاده[67].
* ظهور مفهوم جديد للدين( الإسلام): فالإسلام- حسب التيار العلماني في القراءة الحداثية للقرآن
الكريم- عبارة عن مقتبسات من شعائر وطقوس الجاهلية وغيرها من أساطير الشعوب القديمة[68]، وهو لا يختلف عن بقية الأديان كالمسيحية، في كونه نتاجا للقوى المحسوسة التي تشكله عقاديا
وأيديولوجيا[69]،وهو يقع ضمن الإطار المعرفي للقرون الوسطى[70]، وسيصبح الإسلام بفعل العولمة
والحداثة شيئا باليا لامعنى له، وسوف يتبخر ويذهب مع الريح[71]، وسينهار الإسلام المثالي، ويبقى
الإسلام التاريخي للذكرى والدراسة فقط كما حصل للمسيحية[72]، ولاينبغي عدُّ قيم الإسلام حقائق مطلقة، ومن الخطأ أن ننتزعها من سياقها التاريخي، لأن الإسلام رسالة موجهة إلى أناس بأعيانهم في القرن السابع الميلادي، ولذلك نجد فيها ظواهر تتناسب مع ثقافة ذلك العصر كالجنة والنار وإبليس والملائكة والطوفان وغير ذلك، وهي بعيدة عن التصورات الحديثة، وليست لها الدلالات ذاتها التي كانت موجودة في ذلك العصر[73].
* التبشير بدين جديد: حرص التيار الجديد في القراءة الحداثية للنص القرآني في دول المغرب العربي- تبعا لخلفيته العلمانية – في أن يبشر بإسلام جديد يقوم على أساس مفهوم جديد لمعنى الإيمان، فالإيمان الحديث" يقبل إعادة النظر حتى في الأصول الأولى من أجل انتهاكها وإعادتها إلى المشروطيات المشتركة للجدلية الاجتماعية[74]"، إن الإيمان بالمعنى الحديث يقبل حتى فكرة موت الله وغياب الله عن العالم، وذلك ينافي مبادئ الإيمان التقليدي،[75] والله عز وجل في مفهوم الإيمان المبشَّر به من قِبل المؤوِّلة الجُدد ليبس هو الله في التصور الإسلامي، بل إنه الأمل بالعدالة والحرية والمساواة.[76]
واليوم الآخر في مفهوم هذا التيار العلماني، ليس هو ما ورد منصوصا عليه في "الأفكار المتلقاة " عند أصحاب الإيمان التقليدي بل إن العالم الآخر أسطورة ولَّدها الكهنةُ ليسطروا على الناس ويحكموهم[77]، إن البعث عند هذا التيار ليس هو البعث بعد الموت، وإنما هو البعث من عالم الطفولة والتخلف إلى عالم التقدم والوعي.[78]
* التبشير بنموذج جديد للمسلم المتدين: رسم العلمانيون المغاربيون من الحداثيين القارئين للقرآن قراءة جديدة، صورة للمسلم المعاصر تخالف كثيرا من تفاصيل صورته التي بيِّنت معالمها في الكتاب والسُّنة، فليس من شرط المسلم المعاصر أن يشهد أنَّ محمدا رسول الله لأن الجزء الثاني من الشهادة ليس من الإسلام لأنه أضيف إلى الأذان فيما بعد، إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء كل الأديان،[79] والصلاة مسألة شخصية[80]، وليست واجبة،[81] وتغني عنها رياضة اليوغا وهو ما غفل عنه الفقهاء[82].
والزكاة ليست بواجبة وإنما هي اختيارية[83]، ولأنها" تمس الثروات الصغيرة والمتوسطة أكثر مما تمس الثروات الضخمة...ولم توضع للحد من الثروات الكبيرة القائمة على الربح المرتفع، فهذه لم تكن معهود العرب زمن النبوة..ولذلك فالزكاة وحدها لا يمكن أن تنال شيئا من الفوارق الطبقية الكبيرة لأنها وضعت أصلا لمجتمع ليس فيه مثل هذه الفوارق الطبقية الكبيرة"[84]، والصوم كذلك ليس فرضا وإنما هو للتخيير[85]، والحج كذلك من الطقوس الوثنية التي أقرها الإسلام مراعاة لحال العرب.[86]
" وهكذا تُميَّع كلُّ الشعائر الإسلامية وتعتبر طقوسا وثنية تحدرت إلى القرآن من البيئات والأمم السابقة والجاهلية، وقد مارس الفقهاء دورهم في تقنينها[87]....وهكذا طُمس الإسلام الرباني الذي أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، ويبرز الإسلام العلماني المخترع بأركانه الجديدة العصرية المفتوحة والقابلة لكل الأفهام والتأويلات، والتي لم تتوقف عند هذا الحد، لأنه لا حدود يمكن الوقوف عندها في الخطاب العلماني".[88]
الخاتمة:
كانت هذه الدراسة عرضا مختصرا لأهم معالم المنهاج الحداثي في قراءة القرآن الكريم في دول المغرب العربي، وفيما يلي تلخيص لأهم النتائج التي أسفرت عنها هذه الدراسة:
1- لعل زعماء القراءة الحداثية للنص القرآني في المغرب العربي من الرواد الأوائل لهذا النوع القرائي في العالم العربي، إذ تخطت بحوثهم المغرب، لكي تصل إلى ساحة البحث والثقافة في مشرق العالم العربي، فأثمرت هناك بحوثا ودراسات سارت على دربهم، ونسجت على منوالهم.
2- كانت غايةُ القراءة الحداثية للقرآن الكريم في المغرب العربي" تفريغَ القرآن من مضمونه الإعتقادي والتشريعي والأخلاقي، وتحويله إلى وعاء فارغ مهيأ لكل ما يمكن أن يلصق به من المعاني والأفكار".[89]
3- كانت بحوثُ ودراساتُ ومناهجُ الإستشراق حاضرة ًفي قراءات كثيرٍ من النماذج التي ذكرناها آنفا، ولقد صرَّح بذلك بعضُ أصحاب هذه النماذج مثل محمد أركون الذي ينوه بمنهج المستشرقين قائلا:" ...فهم يقارعون المسلَّمات والفرضيَّات الإسلامية باليقين العلموي scientiste"[90]، وبعضُ هؤلاء وإن لم يصرح علانية بالتأثر- وهو لن يفعل ذلك- ، فظاهرٌ من آرائه بخصوص القرآن الكريم وتفسيره أنه صادرٌ عن خلفية استشراقية كحال محمد عابد الجابري الذي كشف النقد لمدخله إلى القرآن الكريم بروز الأثر الإستشراقي في ثناياه.[91]
4- أخفقتْ مُعظم مشاريع القراءة المعاصرة للقرآن الكريم في المغرب العربي، في تطبيق النظرية الجديدة في القراءة على نصوص الكتاب العزيز[92]، فأعمال أركون في مجال تطبيق النظرية التي بشَّر بها قليلةٌ جدًّا كـ:" قراءة لسورة الفاتحة"، و" قراءة لسورة الكهف"[93]وللمناوئين لفكر أركون ومنهجه في التناول لهاذين النموذجين نظرات وانتقادات[94]، وما قام به محمد عابد الجابري في التفسير الواضح وبحسب القارئين لعمله" أدعى إلى أن لا يكون التفسير واضحا على الإطلاق...وهو يخالف أبسط قواعد البنيوية واللسانيات، وإذا كان قد فعل ذلك بقصد الوضوح والإيضاح، فإن هذه الطريقة تزيد من غموض النص الذي لم يعد نصا، وتحوِّله إلى مجموعة ضخمة من المفردات والفقر المتناثرة[95]"، كما أن في " المدخل" للجابري إلى "التفسير الواضح" أخطاءً " تقدح في منطلقات المشروع كما أقر بذلك أحدُ المعجبين بأعمال المفكر الراحل.[96]
5- مشاريع القراءة الحداثية للقرآن الكريم في المغرب العربي مجافية للضوابط العلمية، لأن أغلبها يتبنى "موقفا نقديا أو هدْميًّا من التراث التفسيري من مختلف مباحث علوم القرآن ومن علوم اللسان العربي، لكنها في هذا النقد لا تلتزم بضوابط علمية مقررة، بل تؤسس هذا النقد على افتراضات مخطئة يتم الإلحاح والحرص عليها"[97]، كما أن هناك قصورا منهجيا في تحصيل الأدوات اللازمة للخوض في التفسير، وتلك الرزيةُ العامة للتيار العلماني العربي الحديث في تفسير القرآن الكريم.[98]
6- في هذه المشاريع القارئة للقرآن الكريم كثير من التعالي على" القراءات المؤمنة"[99] في نظر محمد أركون، كما أن في هذه المشاريع قدرا غير قليل من الاستخفاف بـ"الأفكار المتلقاة "كما يسميها الجابري.
6- لم تسلم مشاريع القراءة الحداثية للنص القرآني في المغرب العربي من الوقوع في أخطاء علمية نابعة من المنهاج العام لكل مشروع من هذه المشاريع التي اشتملت على كثير من الخطَل الواضح، والتمحُّل المخزي، والغلط البيِّن الذي نبه عليه بعضُ الباحثين المعتنين بفكر محمد أركون ومحمد عابد الجابري[100].
7- أرادت هذه المشاريع القارئة للقرآن الكريم أن تركب أخطاء قديمة وقعت – عن حسن نية من الباحثين القدامى- أثناء تناول الحديث في علوم القرآن،" وتحوِّلها مع شذوذها إلى ثوابت تاريخية، وحقائق قطعية، لتوظيفها لخدمة أهداف إيديولوجية معروفة".[101]
وبعد فإذا كان لنا من مقترحات وتوصيات في مُتمِّ هذه الدراسة، فذاك الذي نذكره على هذا النحو:
*لقد استطاع كثير من مشاريع هذه القراءات المغاربية للنص القرآني، أن يصل إلى جم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
انور ابو البصل

انور ابو البصل


ذكر
عدد المساهمات : 32
نقاط : 320
تاريخ التسجيل : 12/02/2012
الموقع : منتدى انور ابو البصل الاسلامي

نظرات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي   نظرات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي Emptyالثلاثاء 28 فبراير 2012, 09:37


جزاكم الله خير
وبارك الله فيكم
ع الطرح الرائع والمتميز
والدال على الخير له مثل أجر فاعله.....
جعله الله شاهد لكم لا عليكم
دمتم بحفظ الرحمن ورعايته
ننتظر منكم المزيد من العطاء
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
اخوكم في الله انور ابو البصل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://anwarbasal.alamuntada.com
 
نظرات في القراءات المعاصرة للقرآن الكريم في دول المغرب العربي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تزوير التاريخ العربي في موسوعة "ويكيبديا"
» الإعجاز العلمي في القران الكريم
» صفحة الاستماع الى القران الكريم
» أسهل طريقة لحفظ القرآن الكريم. كتبها إمام وخطيب المسجد النبوي
» اهل القران الكريم هم اهل الله وخاصته اللهم اجعلنا منهم يارب العالمين يا اكرم الاكرمين اهل القران الكريم هم اهل الله وخاصته اللهم اجعلنا منهم يارب العالمين يا اكرم الاكرمين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى أهل السنة والجماعة :: الفئة الأولى :: القران وعلومه-
انتقل الى: