إنّ للمنهج السلفي مكانة عظيمة, وأهمية بالغة, فهو سبيل الله الذي ارتضاه لعباده, وهو الطريق الذي اختطّه لصفوته وأنبيائه, وفيما يلي تجلية لهذه المكانة, وتلكم الأهمية:
• أولاً: مكانة المنهج السلفي:
1- أصالة المنهج السلفي:
إنّ من الدلائل الواضحات على سمو مكانة المنهج السلفي؛ أصالته مورداً ومضموناً, فهو المنهج الذي أبان الله عز وجل عن كنهه في كتاب العظيم, وأوضح سبيله نبينا الكريم ز, بينما نجد المناهج المحدثة نابعة من الأهواء والأذواق, خالية من التأصيل, بعيدة عن مقتضى الحقِّ والدليل.
2- وحدة منهج الأنبياء عليهم السلام:
إنّ المنهج السلفي هو منهج الأنبياء عليهم السلام في الدعوة إلى الله تعالى, من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد ز, ومن الأدلة على هذه الوحدة والانفراد:
قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾( 1), وقد فسّر بعض العلماء الشرعة بالأحكام, والمنهاج بالاعتقاد, وقيل: الشرعة هي السنّة والمنهاج هو السبيل( 2).
فالآية الكريمة تقرّر بوضوح أنّ الله تعالى نصب لكل نبي ورسول منهجاً واحداً في الاعتقاد والشريعة والدعوة, فهو سبيل لا يلحقه التبديل ولا التغيير إلى يوم الدين.
3- وجوب التمسّك بالمنهج السلفي:
لم يجعل الله تعالى لعباده الخيرة في اقتفاء المنهج السلفي, بل ألزمهم به إلزاماً, وأوجبه عليما إيجاباً, كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾( 3).
4- المنهج السلفي هو المنهج الذي ارتضاه الله لعباده:
فهو المنهج الحق الذي ارتضاه الله لعباده, في سائر شؤونهم وعباداتهم, ولذلك نسبه الله تعالى إلى ذاته العليّة, حيث قال: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.
وقد جاء في ابن مسعود ﴿وهذا صراط ربكم﴾, وفي مصحف أبيّ ﴿وهذا صراط ربك﴾( 4).
5- اتفاق السلف رحمهم الله على المنهج السلفي:
فالسلف رحمهم الله على مدّ عصورهم وتباعد أقطارهم, كانوا على منهج واحد, في الدعوة والعقيدة وأصول الدين, وذلك ليس بغريب لأنهم ينهلون من معين واحد ويعتمدون على رافد واحد لمعرفتهم وهو الكتاب والسنّة.
ولو لم تكن مكانة المنهج السلفي عظيمة, لحصل فيه الاختلاف واضطربت فيه الأفهام.
6- توعّد الله تعالى من تنكب المنهج السلفي بالخسران المبين:
فقد ندب الله عز وجل إلى عباده اتّباع سبيل المؤمنين -وهو المنهج السلفي -, وتوعّد من تنكب سبيلهم بالخسران المبين في الدنيا والآخرة, قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾(5 ).
قال الدارمي رحمه الله: "فإن كنتم من المؤمنين, وعلى منهاج أسلافهم, فاقتبسوا العلم من آثارهم, واقتبسوا الهدى في سبيلهم"( 6).
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله: "فكانوا -أي: الصحابة والتابعين-عدول الأمة, وأئمة الهدى, وحجج الدين, ونقلة الكتاب والسنة, وندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم, والجري على منهاجهم, والسلوك لسبيلهم, والاقتداء بهم, فقال: ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾"( 7).
• ثانياً: أهميّة المنهج السلفي:
يكتسي المنهج السلفي أهمية بالغة, بالنسبة للداعية والمدعو والدعوة على حدٍّ سواء, فهو سبيل الله لهداية الخلق, وهو المنهج الشامل الصالح لكل زمان ومكان, وفيما يلي ذكر لأبرز الدلائل على أهمية هذا المنهج السلفي:
1- شمولية المنهج السلفي في خطابة ومضمونه ووسائله:
إنّ المنهج يتّسم بالكمال والشمولية, حيث يسع الزمان والمكان, وجميع أصناف المدعوين, وهو شامل في أساليبه ووسائله وطرائقه, جامع لأطوار الحياة كلّها, ومن شأن هذه الشمولية والتكامل أن تحقّق المقاصد الشرعية, والأهداف المرعيّة للدعوة الإسلامية( 8).
2- المنهج السلفي هو الموصل إلى عين المقصود:
يمتاز المنهج السلفي بأنه منهج فطري موصل إلى عين المقصود(9 ), لأنّه منهج مستقيم, ولا سبيل للوصول إلى الغاية إلى عن طريق الطريق المستقيم كما دلّ على ذلك الحس والنظر.
ولا يمكن لأي منهج محدث مهما اجتهد أصحابه في تشييده وإصلاحه, أن يحقّق أهداف الدعوة الإسلامية بأي حال من الأحوال, لأنّه مفتقدٌ لهذه الاستقامة, ومائل عن السبيل.
3- المنهج السلفي هو المنهج الذي يهدى الله به الخلق:
المنهج السلفي المنتزع من كتاب الله وسنة رسوله ز هو التي هدى الله تعالى به الخلق, وهو أساس تقويم الداعية وبناء المدعوّ بناءً مستقيماً في عقيدته وعباداته ومعاملاته, فهو منهج قويم في ذاته وخصائصه ووسائله, ومقوِّم لغيره.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -عند حديثه عن المناهج المبتدعة في دعوة الخلق-: "ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه ما يتوب به العصاة, فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم, بالطرق الشرعية التي ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعي, بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان -وهم خير أولياء الله المتقين, من هذه الأمة- تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية, وأمصار المسلمين وقراهم قديماً وحديثاً مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه, وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية, لا بهذه الطرق البدعية"( 10).
4- التمسّك بالمنهج السلفي هو السبيل للعصمة من الزلل:
إنّ المنهج السلفي القائم على الوحدة والأصالة هو السبيل للعصمة من الزلل, والسلامة من الخطل, لأنّ المناهج المبتدعة مفضية إلى الفرقة والانقسام, قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.
وفي حديث رؤيا عبد الله بن سلام س حيث يقول: "رأيت على عهد النبي ز رؤيا, رأيت كأن رجلاً أتاني فقال لي: انطلق, فذهبت معه, فسلك بي منهجاً عظيماً....فقصصتها على رسول الله ز, فقال: "رأيت خيراً, أما المنهج العظيم فالمحشر...." ( 11). وفي رواية: "فإذا جواد منهج عن يميني"( 12). وفُسِّر المنهج في الحديث بأنّه: "الطريق الواضح البيّن المستقيم"( 13).
5- ثبات الداعية على الحقّ:
إنّ طريق الدعوة إلى الله تعالى محفوف بالمكاره, مليء بالعقبات, ولا سبيل للداعية إلى الثبات على الحقّ إلاّ إذا تمسّك بهذا المنهج الرباني, قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.
والناظر في تهافت كثير الدعاة اليوم, يدرك أنّ أعظم أباب هذا الانتكاس راجع إلى تنكب الصراط المستقيم, والمنهج السلفي, قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾.
[/center]
( 1) سورة المائدة, الآية 48.
( 2) انظر تفصيل أقوال العلماء في تفسير الآية في: " الطبري 4/366 فما بعدها, وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/66. وتفسير ابن عباس ب 1/336, وتفسير الثوري, 1/103
( 3) سورة الأنعام, الآية 153.
(4 ) فتح القدير 2/260.
(5 ) سورة النساء, الآية 115.
( 6) "الرد على الجهمية", للدارمي, ص 127.
( 7) "الجرح والتعديل", لابن أبي حاتم 1/7.
( انظر تفصيل هذه الخصيصة في "المنهاج النبوي" د. سليمان العيد, ص 21 فما بعدها.
( 9) انظر: "مجموع الفتاوى" 2/12.
(10 ) "مجموع الفتاوى" 11/620.
(11 ) رواه مسلم 4/1930, كتاب: فضائل الصحابة, باب: من فضائل عبد الله بن سلاّم, رقم: 3910.
( 12) رواه مسلم 4/1931, كتاب: فضائل الصحابة, باب: من فضائل عبد الله بن سلاّم, رقم: 3911.
( 13) شرح الإمام النووي على صحيح مسلم,16/44, والديباج للسيوطي 5/450.
كتبه وحرّر أبو يزيد المدني
المدينة النبوية: 19 شعبان 1432 هـ