اعتنى سلاطين المغرب وملوكه عناية خاصة بالتعليم العتيق على مر العصور، من عهد المولى إدريس الأكبر مرورا بالدول المتعاقبة على الحكم في المغرب إلى عهد الدولة العلوية الشريفة، من خلال بناء المدارس والمراكز وإقامة بيوت العبادة والذكر، وتهيئ الدور لإيواء الطلبة.
وبانتشار هذه المدارس في مختلف المناطق المغربية، حافظ المغاربة على إجادة حفظ كتاب الله العزيز بمختلف الروايات، وازدهرت العلوم والمعارف الإسلامية في مختلف جهات المملكة، وأصبح للتعليم العتيق دور كبير في الدفاع عن العقيدة ونشر تعاليم الإسلام وتعليم اللغة العربية وتوحيد الأمة والمحافظة على الهوية والأصالة، ومقاومة الزيغ الفكري والعقدي، والدفاع عن استقلال البلاد ووحدتها وكرامتها.
وفي فترة الحماية، حاول المستعمر القضاء على هذا التعليم وعلى رموزه الشامخة، في مقدمتها جامع القرويين، سعيا منه لإلغاء الهوية الدينية والثقافية للمغاربة، فما كان من جلالة محمد الخامس طيب الله ثراه إلا أن تصدى له، مدافعا عن هذا التعليم بكل استماتة واستبسال.
وعند منتصف الستينيات، أطلق جلالة الحسن الثاني قدس الله روحه عدة مبادرات لبعث التعليم العتيق من جديد، وأصدر أمره بإحداث دار الحديث الحسنية، وجعلها تابعة للبلاط الملكي، كما أمر بإحياء المراكز الدينية والمدارس العتيقة ، والعناية بالفقهاء والطلبة، حيث صدر سنة 1964مرسوم يحدد مقادير المكافآت والمنح المصروفة لهم من الميزانية العامة للدولة.
فاستمرت هذه المؤسسات تعمل بكل حيوية على تحفيظ كتاب الله العزيز و تنشئة طلبة العلم على التعلم والتحصيل،على نحو يتمكن فيه الطالب من الإلمام التام بالعلوم العربية والفقهية في مختلف أبواب العبادات والمعاملات وفق المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني.
وانطلاقا من حرص أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله على تحصين التعليم العتيق والحفاظ على خصوصيته وعلى إشعاعه الثقافي والعلمي، اعتمدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إستراتيجية تروم إصلاح هذا التعليم ومراجعة برامجه ومناهجه، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات وتحديد القرارات الكفيلة بتحقيق تأهيل أمثل يمكنه من الاندماج في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، والاستفادة من المكتسبات التربوية التي يتمتع بها التعليم العمومي العصري.
"...وفي هذا السياق حرصنا على تأهيل المدارس العتيقة وصيانة تحفيظ القران الكريم وتحصينها من كل استغلال أو انحراف يمس الهوية مع توفير مسالك وبرامج للتكوين تدمج طلبتها في المنظومة التربوية الوطنية وتجنب تخريج الفكر المنغلق وتشجع الانفتاح على الثقافات.
منقول من موقع وزارة الاوقاف والشؤون الاسلاميه